أهلا بسنة جديدة, ومرحبا بالحماس الذي يجلبه هذا الحدث, في هذه المقالة سنأخذ جولة على عدة جوانب تتعلق بعملية التخطيط وكتابة الأفكار والأهداف وتحديد الوجهة, وأمور يجب مراعتها واستحضارها أثناء القيام بعملية التخطيط.
سنأخذ بعض الأفكار في التنفيذ والمتابعة, ونشارك بعض التجارب الشخصية وأخرى من بعض الكتب.
قد تناسبنا بعض الأفكار ونستفيد منها ونوظفها في هذه المرحلة من التخطيط وقد نرد أخرى أخرى ولا نتفق معها, المهم أن تكون سنة مليئة بالإنجاز.
لنبدأ بنقاط مهمة يجب أن نضعها في الحسبان..
التغيير الطفيف:
شخص قرر في يوم من الأيام أن يقرأ يوميا عشر صفحات من كتاب, وهذا يأخذ من وقته عشرين دقيقة, سيكون خلال سنة قد قرأ عشرة كتب, كل كتاب يتألف من أربع مئة صفحة.
نفس الشخص قرر بدلا من أن يقرأ, أن يأخذ جولة على منصات التواصل خلال نفس الوقت, عشرون دقيقة. خلال سنة يكون قد استهلك ما يزيد على 121 ساعة في لا شيء.
الوقت بسيط, عشرون دقيقة, المجهود المبذول لا يذكر, تركه لا يؤثر في سير اليوم, وعمله لا يزيد بشكل مؤثر في تحقيق الغاية, فلو أن القارئ لم يقرأ عشر صفحات لم يخسر الكثير, ولو أن الشخص المتصفح توقف عن التصفح ذلك اليوم ما فاته الكثير, لكن مع الاستمرارية في الأعمال البسيطة تأتي النتائج المبهرة, وهذا مصداق لحديث عائشة رضي الله عنها, سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله, قال: أدومها وإن قل. وفي هذا كتب جيف أولسن كتابه التغير البسيط (The slight edge), والمشاهد هو أنه لو استمر كلا الشخصين الذين ذكرنا في ممارسة هذه العادة, سنجد أن العادة تزيد, فلو أن القارئ استمر في القراءة لوجدت أنه بعد سنتين أتم قراءة ثلاثين كتاب, مع أن المفترض أن يقرأ عشرين في أحسن الأحوال, لكن في الحقيقة أن النفس تألف العادة بعد مدة فتصبح ممارستها أخف على النفس ويستطيع الشخص أن يطيل فيها, فيقرأ العشرين والثلاثين صفحة بدون عناء, والأمر ينطبق على كل جميع العادات, وهذا هو مربط الفرس, فبعد مدة ستتمكن من العادة (أو ستتمكن منك), وتصبح ممارستها سهلة وتألفها النفس وهذا مع الوقت يعود عليك ببالغ الأثر, وفي هذا يقول البوصيري بيتا جميلا:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
احترت هل أبدأ هذا السطر بـ”للأسف” أو “والجميل في الأمر” إذا أن التغيير البسيط في الحقيقة يجري علينا في كل يوم تطلع علينا فيه الشمس, فإن كنت شخصا بدينا وتنوي تحسين نمط حياتك, فإما أن تبدأ ويبدأ “التغير الطفيف” في التحسن, وإما أن لا تبدأ ويستمر التغير الطفيف في الانحدار, لو كنت مدخنا, أو رياضيا, أو مشاهد لمواد إعلامية أو علمية, فأنت بشكل يومي تعلو درجة, أو تنزل دركة, بالرغم من أن الفارق والتغيير طفيف, ويكاد لا يذكر في الوقت الراهن لكن النتائج تتراكم وتظهر لاحقا, وهو هذا ما يسمى بالفوائد المركبة (combined interest), جميل جدا, بما أن الأمر بهذه البساطة أو أني صورته بهذه البساطة, لماذا لا يتعامل معه الناس بجدية أكثر؟ يقول جيف أولسن أن لهذا ثلاثة أسباب:
- أن الأمر سهل أن تقوم به, كم أنه سهل ألا تقوم به, (عشر دقائق, سيجارة, مرحلة, حلقة, المقدار بسيط).
- النتائج غير ظاهرة, (بعد عشر دقائق تمرين لن ترى أثره مباشرة, بعد سيجارة واحدة لن تموت في الحال)
- الأمر غير مؤثر, (عشر دقائق من التمرين لن تؤثر بشكل مباشر في عشرة أو عشرين كيلو من الوزن الزائد, سيجارة وحدة لن تؤذي الرئة أذى بالغ أو محسوس)
لكن هي معادلة التالية, الوقت + الفعل بشكل متكرر = نتائج عظيمة
فمن هنا نخلص إلى أمرين, الأول, أن جميع القرارات التي تتخذها تؤثر بشكل بسيط, أو غير ملحوظ سلبا أو إيجابا, فاختر قراراتك.
الثاني, الغايات تُطلب بالمداومة والعمل الدؤوب, وفي هذه النقطة يقول كيفن هورسلي في كتابة العقل اللا محدود (Unlimited memory): لم يكن هناك أبدا شخص غير مواظب وغير ملتزم, بطلا للعالم.
ونختم هذه الجزئية بحكمة صينية تقول: لا تخشى من النمو بطيئا, ولكن اخشى التوقف.
افشل 51 يوما فقط في السنة:
بعد أن انتهينا من الاستمرارية, من الجيد أن نأتي على ذكر هذا الموضوع, ماذا حدث في أخر مرة التزمت فيها بنظام غذائي معين, ثم خالفته بعد أسبوعين؟, ماذا حدث بعد أن التزمت بقراءة ورد من كتاب لمدة عشرة أيام, ثم في اليوم الحادي عشر والثاني عشر, شُغلت عن القراءة؟ الجواب البسيط هو إنهيار.
ببساطة ما إن يفشل الشخص في الالتزام بعادة أو شرط يشترطه على نفسه إلا وينسحب مباشرة, وهذا نمط يتكرر لدى السواد الأعظم من البشر.
لكن الأمر هنا مختلف لو رأيناه من زاوية مختلفة, فلو أنك حين خالفت النظام الغذائي, عدت من غدك على ما التزمت به, وأكملت أسبوعين أخرين, وخالفت مرة أخرى, وهكذا, كيف هي النتيجة بعد شهرين؟ حتما مبهرة.
لو أن كتابك الذي توقفت عن قراءته بعد عشرة أيام رجعت وأكملت قراءته لعشرة أيام أخرى, بعد شهرين تقريبا ستكون قد أنهيته, بينما لو توقفت بالكلية, سيكون حبيس الدرج وبداخله فاصل على رقم الصفحة التي استسلمت عندها.
لدينا سنويا 51 أسبوعا, لنفشل في كل أسبوع مرة, بلا استسلام.
كل بداية أسبوع هي فرصة لنعيد محاولة, لنتذكر أين توقفنا ونكمل من هناك.
التخصص:
في أوائل التسعينيات كتب أندريس أريكسن بروفسور في جامعة فلوريدا في بحثه: الممارسة المتعمدة (deliberate practice):
ننفي أن يكون الاختلاف بين الخبراء والبالغين العوام غير قابل لتغيير, لكن نعزو ذلك الفارق في الأداء إلى الوقت الطويل المستغرق من المجهود الذي يهدف إلى تحسين الأداء في مجال محدد.
لو سألت شخص ماذا تريد أن تتعلم؟ سيبدأ مباشرة في عد الأدوات والبرامج والمهارات والمجالات, لكن نعلم أننا محدودي الموارد (الوقت والمال والجهد), و الإشكال أننا لا نعترف بهذا, فتجد الشخص يضع عدة ساعات في مجال, ثم يضع أخرى في مجال آخر, ثم ينتهي به المطاف يعرف عن كل صنعة ظاهرها, ولكن لا يمكنه القيام بها.
فالتخصص من أهم الأمور التي تساعد الشخص في أن يبرع في المجال ويتمرس فيه, بل وفي بعض الأحيان يكون الشخص غير مخير, خصوصا في المجالات التي تتسم بالتجدد والتغير وفي هذا يقول أحد أعتى عقول هذا العصر الدكتور إيان جودفيلو أحد رواد مجال الذكاء الاصطناعي كلاما رائعا:
قبل وقت ليس بالبعيد كنت أتابع جميع ما يتعلق بمجال التعلم العميق (deep learning – أحد فروع الذكاء الاصطناعي), خصوصا عندما كنت أقوم بتأليف كتابي, لكنه هذا أصبح غير ممكنا, أنا فقط اتابع المواضيع المتصلة بشكل واضح بمجال بحثي, حتى أني لا أعرف كل ما يجري في الـ GANs.(والـ GANs هي فئة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي هو من قام بتأسيسه في عام 2014, والآن لا يمكنه مواكبة تطوراته, ففضل أن يصب تركيزه على الأمر الأكثر أهمية بالنسبة له).
لذا وجب الإشارة إلى أمرين,
من الضروري أن تكون متمكن في مجال معين, وعندك من العلوم الأخرى ما لا تعذر بجهله, أو ما يقضي حاجتك منها.
التشتت والانتقال بين العلوم بالعموم يضيع الجهد ولا يثمر.
التشتت
يقول كليفورد ناس:
قسمنا مجموعة من الأشخاص بناء على عاداتهم في أداء المهام, إلى متعددي المهام, وغير متعددي المهام, وكان الفارق ملحوظ, متعددي المهام طوال الوقت لا يستطيعون تمييز الأمور الغير مهمة, ولا يستطيعون إدارة ذاكرة العمل(يعني أنهم كثيروا النسيان أثناء العمل), مشتتين بشكل مزمن, يملئون عقولهم حتى تفيض, وحين تكلمنا مع بعضهم قالوا: “إذا أردنا فعلا التركيز نغلق كل شيء ونركز”. لكن مع الأسف طوروا عقلا يستحيل أن يركز, هم مدمنون للأمور الغير مهمة في الوقت الحالي, لا يستطيعون أبدا أن يعمل في مهمة واحدة لفترة طويلة.
إذا كنت ممن يعاني من العمل على أكثر من مهمة في نفس الوقت, كأن ترد على لإيميل وتكتب ورقة أو تقرأ موضوع, إذا كنت ممن يدخل مواقع التواصل الاجتماعي أثناء أي عمل تقوم به, فأنت مهما خططت فإنك تفقد ما لا يقل عن نصف وقتك, بغض النظر عن عقلك الذي يواجه مشكلة في الانغماس في العمل, والحضور بشكل كامل فيه ذهنيا.
يقول الباحث الدكتور ديفيد ماير:
إن التكلفة المتمثلة في الوقت الإضافي للتبديل بين المهام تعتمد على مدى صعوبة أو سهولة المهام, ومن الممكن أن تتراوح ما بين زيادة في الوقت تقدر بنحو 25% أو أقل في المهام السهلة, إلى 100% أو أكثر في المهام المعقدة.
والحل؟ يقول كال نيوبورت في كتابة العمل العميق (Deep Work) لتحقيق التركيز في العمل, وتفادي التشتت عليك بالاتي:
- حدد وقت عملك ومكان عملك, (اختر مكان مناسب خالي المشتتات أو قلل منها, وحدد ساعات أو دقائق العمل).
- كم مدة استغراقك في العمل, (بمعنى لو اخترت أن تعمل لمدة ساعتين, كم ستعمل ثم تأخذ راحة ثم تكمل, فيكون جدولك 25 دقيقة عمل بعدها 5 دقائق راحة, لمدة أربع جلسات, وتسمى هذه الطريقة عملية بتقنية الطماطم (pomodoro technique)).
- كيف تدعم عملك, (هل تحتاج قهوة, هل يقطع عملك إحضار الماء أو غذاء, تحتاج ورق للكتابة, لا تجعل هناك أي مشتت لعملك)
- لا تعمل لوحدك,( وهنا علق على أن العمل مع مجموعات يزيد الإبداع, لكن أرى أن الموضوع يعود على طبيعة العمل وطبيعة الأشخاص, فقد يكون العمل لا يتطلب إبداع, وقد يكون الجلوس مع مجموعات غاية في التشتت)
كم ضفدع في الماء؟
كان هناك خمسة ضفادع على ورقة على الماء, فقرر أحدهم القفز في الماء, كم بقي على الورقة؟
لو قلت أربعة فقد أخطأت, ولو قلت الجميع قفز فقد أخطأت, الجواب خمسة, الضفدع قرر أن يقفز لكنه لم يقفز, في كل مرة تنوي القيام بعمل فأنت لازالت في مكانك حتى تقفز, كثير من الأهداف بقيت في جدول الأهداف لأنه لم يقفز صاحبها, وتنتقل معه من سنة إلى أخرى, وأنت شخص كل ما ذهب يومه ذهب بعضه, لذا اسعى إلى أنه إذا جاء يوم وفاتك, لا تندم فيه على شيء فاتك.
ضاعف احتمالية الفشل
يقول توماس واتسون أحد أشهر رجال الأعمال في النصف الأول من القرن الماضي:
هل تريد أن أعطيك معادلة النجاح؟ ببساطة, ضاعف فرصة فشلك, دائما تفكر في الفشل كعدو لنجاح, بينما هو ليس كذلك على الإطلاق, يمكن أن تكون محبط من الفشل, أو تتعلم منه, لذا أقدم وافعل الأخطاء, أفعل كل ما تستطيع, لأنه, تذكر أينما وجد النجاح, في الجانب الأخر الفشل.
ربما تكون الفكرة جامحة ولا تنطق على كل الأمور لكن, هناك الكثير من الأمور ندخلها بحذر خشية الفشل, من الجيد أن نتصالح مع الفشل فهذا سيساعد على السعي بأكبر قدر من الحماس.
وإن لم ندرك الهدف كاملا سنكون أدركنا ما يجعل تجربتنا القادمة أكثر نضجا.دخول اختبار, تأسيس مشروع, تعلم مهارة وغيرها من الأمور.
إدمان التعلم
يقول مارك توين مقولة رائعة في هذا الجانب:
المشكلة في هذا العالم ليس في أن الناس تعلم القليل, المشكلة أنهم يعلمون الكثير من الأمور الغير مفيدة.
كم من شخص لو نظرت في خططه لرأيت عدد من الدورات والمواد التعليمية التي يود أن يقرأها أو يتعلمها, لكن لا تنسى أن التعلم هو وسيلة, والعمل هو الغاية, مادام أن الشخص يدور في حلقة الوسيلة, لن يصل إلا أن يشاء الله للغاية, وإن وصل فقد أضاع الكثير من الوقت والجهد فيما هو في غنى عنه.
وهنا نذكر حكمة رائعة جدا تقول: الحياة بما تعمل, فإن لم تكن تعمل فأنت تموت.
Life is doing, if you aren’t doing you are dying
وينبغي الإشارة إلى أن هذه النقطة لا تمقت التعلم ولكن تحث على الموازنة وهنا اقتباس رائع من كتاب التغير الطفيف يقول:
المعرفة بدون ممارسة هدر, والممارسة بدون المعرفة خطر.
وقد تقود الممارسة التعلم, بحيث أن الشخص لا يسعى لأن يأخذ دورة أو شهادة, بل يسعى لأن ينفذ مشروع معين, وحينما يلحظ جوانب نقص معينة يتعلمها ويكمل المشروع, وبذلك يكون خرج بالمشروع وبالمعرفة العملية التي قد لا يحتاج غيرها.
تعلم كيف تتعلم
قد تكون شخص يشكل عليه التعلم, ويواجه مشكله فيه, وفي هذا الباب تجد الكثير من المواد العملية المرئية والمقروءة التي تحل هذا الإشكال منها:
- Learning how to learn مادة
- A mind for numbers كتاب
المصدرين السابقين لباربرا أوكلي ويناقشون نفس الأفكار تقريبا, وتدور هذه الأفكار إجمالا حول محورين, الأول أساليب التعلم الفعالة وكيفية تطبيقها, الثاني تحسين نمط الحياة وعلاقته بتحسين التعلم.
كيفن هورسلي مؤلف الكتاب صاحب ملكة حفظ عجيبة, طورها منذ الصغر, قضى ما يقارب عشرين سنة في تعلم وتطوير أساليب الحفظ, ويتناول في هذا الكتاب العديد من هذه التقنيات والأساليب التي ساعدته في أن يحوز على لقب International Grandmaster of Memory
كتاب The first 20 hours
الكاتب جوش كوفمان لديه نظرية في أنه يمكنك أن تتعلم أي مهارة بدرجة تمكنك من ممارستها خلال عشرين ساعة فقط, إذا التزمت بالنقاط التي يذكرها الكتاب.
هذه بعض المصادر المفيدة في أساليب التعلم التي جربها أصحابها وخرجوا منها بقالب عملي قالب للتطبيق, قد يكون من المفيد استخدمها وقد يكون من الجيد الاطلاع عليها, وليس عليك أن تطبق كل ما تقرأ أو تسمع, ربما تكييف الموضوع حسب احتياجك أو تأخذ منه ما يكمل جوانب النقص.
الإصرار
الصعب يحتاج الوقت لتحقيقه, لكن المستحيل يحتاج وقت أطول بقليل من الصعب.
لا تطلب العلياء بالراحة, ولو كانت كذلك لوجدت الجميع هناك, لكن ما إن تبذل وتستمر بإذن الله يتذلل لك كل أمر صعب أو مستحيل, وفي هذا يقول ستيف مارتن مقولة جميلة: المثابرة أفضل بديل للموهبة.
والكثير من المقولات في أن المثابرة أهم عنصر من عناصر النجاح, منها مقولة تنسب لأينشتاين تقول: الذكاء واحد بالمئة موهبة, وتسعة وتسعون من العمل الشاق.
ويقول كولمان كوكس: أنا من أشد المؤمنين بالحظ, على قدر عملك على قدر ما قد تحصل على المزيد منه.
ومن أجمل ما قيل في هذا بيت المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال
في هذه الجزئية سنستعرض بعض النقاط التي يستحسن استحضارها أثناء بناء الخطة
خطط لأقصر مدة ممكنة
لثلاثة أسباب ذكرها كتابة اثنا عشر أسبوع لبريان موران:
- تقلل الأخطاء: فالخطة كل ما طالت, مالت, وحادت, فكثيرا ما تجد أهداف نهاية العام مختلفة عن بداية العام, وهذا أمر طبيعي, إذ أننا لا ندري على ماذا نقدم, ماذا تؤول إليه الأمور في هذه السنة.
- تحفظ الوقت: لكيلا يضيع الوقت في التخطيط, والحساب, والتعديل, والبحث.
- يعطي التركيز: فكل ما قل الوقت تناسب الهدف مع الوقت من تخصيص هدف مرحلي مناسب لعمل قفزة جيدة في سير الهدف, وكل ما طال الوقت زاد التخطيط وربما تعددت الأهداف وزاد التشتيت.
لذا فأول قاعدة هي التخطيط لأقصر مدة, ولنوضح الموضوع أكثر فإننا نضع أهداف لـ ثلاثة أشهر, فهي مدة بسيطة يمكنك في الغالب من إدارتها بشكل جيد والتركيز على هدفك فيها.
ثم تخطط لمرحلة أسبوع أو سبوعين تساعد في تقريبك من الهدف
جوانب الاهتمام
ينصرف الشخص أحيانا عن أمور مهمة في حياته منشغلا بالأمور التي خطط لها, وإن كان هذا من الجوانب المهمة في الحياة, لكن هناك جوانب أخرى لا تقل عنها أهمية وأذكر منها:
- الجانب الديني: الحاذق الفطن ليس من يحافظ هذا الجانب فقط, بل من يضعه فوق الأولويات لسببين
- الأول لأنه الغاية التي نحن هنا من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. سورة الذاريات, فلحظة الخروج من الدنيا الأمر الوحيد الذي سيشغل بالك هو ما يتعلق بهذه الغاية.
- الثاني لأننا بعد ما نغادر نحاسب عليها: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. سورة المؤمنون
- الجانب الاجتماعي: اصدقائك واقاربك ومن تربطك بهم علاقة, من الجيد أن تغذي هذه العلاقات.
- الجانب الأسري: من أم وأب, وإخوة, زوجة وأبناء, هؤلاء عضد عند الشدة, وسعادة عند الرخاء, وتؤجر في صلتهم, وتأثم في قطيعتهم.
- الجانب المادي: مما تكسب, وفيما تنفق, وكيف تزيد المكاسب وتحسن النفقات, وأقول تحسن هنا لأني لا أعني أن تقلل النفقات, لكن أن تفقها فيما يعود عليك بالمزيد, أو تبحث عن البدائل بنفس الجودة وأقل سعرا, أو تستغنى عما يستغنى عنه.
- جانب الصحة: إن أهملتها قد لا تتمكن من تنفيذ خططك في يوم ما.
- جانب المجتمع: كل يوم تزيد فيه معرفتك, أو نفوذك فللجمتع حق عليك, تؤجر عليه بإذن, وقد يكون مصدر رزق.
هذه الجوانب تختلف من شخص إلى أخر, فبعض الأشخاص يقوم بها من ضمن عاداته اليومية أو الأسبوعية فأثناء التخطيط لا يحتاج لأن يضعها ضمن الخطة إذا كان مستمر في ادائها, والبعض الأخر لا تهمه بعض هذه الجوانب فلا معنى من وجودها في الخطة.
لكن ما يريد العمل على إدخال هذه الجوانب في الخطة فهنا بعض الأفكار
- الجانب الديني: المواظبة على صلاة الفرائض خصوصا الفجر, الحفاظ على تكبيرة الإحرام, حفظ جزء من القرآن, الحفاظ على السنن الرواتب, الوتر والضحى.
- الجانب الاجتماعي: زيارة أسبوعية لاجتماع الأصدقاء, جدولة موعد شهري مع صديق, زيارة قريب أسبوعيا.
- الجانب الأسري: زيارة منزل العائلة أربعة أيام في الأسبوع, الخروج في نزهة مرة في الشهر, مسابقات عائلية كحفظ القرآن, أو قراءة كتاب, أو بناء عادة صحية.
- الجانب المادي: اقتطاع مبلغ معين بشكل شهري, تنويع الاسثمار كل ثلاثة أشهر (الأسهم والصكوك والصناديق), تطوير مصدر دخل جانبي.
- جانب الصحة: أربع حصص تمرين أسبوعيا, المشي نصف ساعة بعد المغرب, تناول وجبة مفتوحة مرة أسبوعيا.
- جانب المساهمة المجتمعية: تسجيل فيديو لشرح موضوع شهريا, كتابة مقالة في موضوع أسبوعيا, تلخيص كتاب نصف شهري, تفريغ نفسي لإجابة أسئلة أو مساعدة مرة أسبوعيا.
شهر, أسبوع, يوم
لبناء خطة, سنقسم السنة أربعة أرباع, ثلاثة أشهر لكل ربع, نهتم فقط بالربع الذي نحن فيه ثم
- نحدد أهداف هذا الربع (كتاب The one thing ينصح ألا تزيد الأهداف عن ثلاثة لأن هذا يقود إلى التشتت)
- نقسم مراحل تحقيق الهدف على الثلاثة أشهر بشكل عام (مثلا قراءة كتاب, الأبواب الأربع الأولى في الشهر الأولى والأربع أبواب الثانية في الشهر الثاني, و الأربع الأخيرة في الشهر الأخير)
- نخطط الشهر الحالي فقط (سأبدأ بالباب الأول في الأسبوع الأول, والثاني في الثاني وهكذا) وتخطيط الشهر يكون بداية كل شهر
- نخطط الأسبوع (بداية كل أسبوع, سبت أو جمعة, أو حسبما يبدأ أسبوعك, لكن يكون يوما محددا, قراءة الباب الأول بمعدل خمس صفحات يوميا الساعة الثامنة صباحا حتى الثامنة والنص)
وبهذا تكون أنجزت جدولا لتحقيق الأهداف
متى
لا يكفي أن تحدد ما تسعى لإنجازة, بل يلزمك أن تحدد متى تسعى لإنجازه, فعلى غير المتوقع ظهرت نتائج دراسة أجريت على من مجموعة من الأشخاص تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات طلب منها اداء مجموعة من التمارين الرياضية لمدة أسبوعين, المجموعة الأولى تم تحفيزها بتوضيح أهمية هذه التمارين وتأثيرها الصحي (المُحفزة), المجموعة الثانية تلقت نفس التحفيز الذي تلقته المجموعة الأولى مع شرط أن تحدد وقت تلتزم فيه بأداء التمارين (مُحددة), المجموعة الثالثة لم تتلقى التحفيز ولم يطلب منها الالتزام بالوقت (المهملة).
بعد أسبوعين ظهرت النتائج وكانت كالتالي:
38 بالمئة من أفراد المجموعة المهملة ملتزمون بالتمرين
35 بالمئة من أفراد المجموعة المُحفزة ملتزمون بالتمرين
93 بالمئة من أفراد المجموعة مُحددة ملتزمون بالتمرين
ويظهر هنا تأثير تخصيص وقت لأداء العمل على الالتزام به.
وفي أقل الأحوال يتسبب لك ذلك بما يسمى بالتوتر المثمر (Productive tension) وهو شعورك بعدم الراحة لأنك تعلم أن عليك القيام بشيء أنت لا تقوم به الآن.
نقطة جانبية
- إذا لم تلتزم بالخطة فهذا لا يدل على أن الخطة لم تنجح ولكن أنت لم تنجح في اتباعها, إذ أن 60 بالمئة من الخطط تفشل في مرحلة التنفيذ وليس في التخطيط, وهنا اقتباس رائعة من كتاب التغير الطفيف:
الأمر ليس كيف تخطط عملك, بل كيف تعمل بخطتك. - ضع يوما تحت مسمى “اليوم المساند” الغاية منه في حال لم توفق للإنجاز في يوم من الأيام, لأي ظرف من الظروف, تستطيع العودة إلى الخطة من هذا اليوم, أو يكون يوم تسبق فيه الخطة وتحقق في المزيد من الإنجاز.
- ما يأخذ يوم يوضع له يومين, ما تعتقد أنك تستطيع إنجازه في ساعة ضع ساعتين, تظن أنك تستطيع قراءة فصلين من كتاب في اليوم, ضع فصل واحد يوميا, وأقرأ فصلين, لكن الخطة تطلب منك فصل واحد فقط, ومع الوقت ارفع المقدار.
تقييم الأداء
من أهم الأمور في العمل تقييم الأداء, ونعني بتقييم الأداء أن تضع الأمور التي يجب انجازها خلال الأسبوع وتقوم في نهاية الأسبوع بإعطاء رقم لكل هدف, وممكن أن يكون هناك درجة الأسبوع (من 1 إلى 5 أو ممتاز جيد مقبول ضعيف)
في كتاب The 4 discipline execution وهو يناقش الأمور التي تعين الشخص على الإنضباط والالتزام, يقول في النقطة الرابعة من أهم الأمور التي تزيد على الالتزام الاجتماع كل فترة لمناقشة ما تحقق ويجب تحقيقه, وفي كتاب العمل العميق, ذكر نفس النقطة لكن نبه إلى أنه لا يتيسر دائما وجود مجموعة, ثم اقترح حلا بديلا هو أن تجعل في نهاية الأسبوع تقييما, مثل ما الأمور التي أنجزتها, وكم بقي لك من مسافة على الهدف, وهل هذا الأسبوع حققت أعلى من المتوقع, وهكذا.
في سياق تقييم الأداء كثير من البرامج الرياضية الشهيرة تعتمد على أن يقيم الشخص أداءه ثم يسعى إلى أن يحقق أفضل منه في الأسبوع الذي يليه.
لذا سيكون مثلا لديك في ورقة التقييم التالي
- قراءة أربع أبواب من الكتاب: 4/
- تمارين رياضية خمسة أيام في الأسبوع: 5/
ضع في نهاية كل ورقة تقييم جزء بسيط تضع فيها ملاحظاتك, كأن تكتب أنهيت كتاب كذا, ونزل وزني هذا الأسبوع كذا, من المحفز أن ترجع إلى الأسابيع السابقة فتشاهد تقدمك.
بلوكات التخطيط
بالرغم من أننا ذكرناها سابقا في نقطة شهر, أسبوع, يوم لكن هذه المرة نذكرها من كتاب العمل العميق بشكل عام, يقول أن الخطة تنقسم إلى مجموعات (blocks)
- المجموعة الاستراتيجية: وهي جزء من الخطة تلتزم فيها بالعمل بأقصى تركيز بدون مقاطعة (ذكرنا كيفية تحقيق التركيز في نقطة التشتت)
- المجموعة المساندة: وهي جزء من الخطة غير مجدول في حال لم تسر الخطة كما ينبغي تستعين بها.
- مجموعة التوقف: وهي جزء من الخطة تلتزم في بالتوقف عن العمل والاستمتاع فيه.
ماذا نعني هنا بمجموعة؟
نعني ساعات, فيكون لدينا ساعة مثلا من التركيز التام في العمل, بعدها نصف ساعة مساندة في حال لم نحرز التقدم المطلوب نستفيد منها, ثم لدينا نصف ساعة نتوقف فيها عن العمل وننشغل بأمر أخر, ثم نقوم بتكرار هذه الحلقة مرة أخرى, هذا مثل وشكل من أشكال تقسيم الوقت على شكل بلوكات.
الرغبة وحدها لا تكفي
يحدث كثير أن تجلس مع شخص أو مجموعة أو تحضر مؤتمر أو مسابقة وغيرها من المناسبات ثم تخرج منها متحفز لما سمعت أو شاهدت, وقد تبدأ في مشروع معين أو تنطلق في خطة معينة, فترة بسيطة ثم تتوقف ثم تكتشف لاحقا أنه هذا من تأثير الحماس, ولذلك كتاب اثنا عشر أسبوعا سنويا (The 12 week year) وضع قوانين لاختيار وتنفيذ الهدف.
- رغبة جامحة في تحقيقه, هناك سبب لتسعى له.
- لابد أن يكون هناك مراحل تمشي عليها لتحقيق الهدف لتستطيع معرفة كم انهيت وكم تبقى.
- احسب التكاليف والمنافع: توقع تقريبا كم يكلف إنجاز هذا الهدف من مجهود مادي ومعنوي, ثم اسأل نفسك, هل يستحق فعلا ذلك؟
- بعد ذلك اعمل حسبما خططت وليس حسبما تشعر, فالانضباط هو الذي يشكل حياتنا.
قلي كيف تفكر أقل لك من أنت
أثبتت الدراسات أنه في عقل الأنسان يوجد ما يسمى اللوزة (amygdala), وهي تحث الشخص على أن يتجنب الأشياء الخطرة والغير واضحة, وهي مفيد بالعموم, لكن الإشكال أنه حين يبدأ الأنسان في التخطيط لأمور معينة والإقدام عليها وبطبيعة الحال هو غير متأكد من النتائج يبدأ هذا الجزء من الدماغ في تثبيط الشخص وردعه عن الإقدام والاستمرار, أو تنفيذ خطته, وهذا هو الجانب السلبي, لكن الجميل في الدماغ أن لديه جانب أخر يسمى القشرة الجبهية (prefrontal cortex) يتحرك بطريقة معاكسة تحقيق التوازن, فعندما يفكر الشخص في المستقبل والتقدم والإنجاز يبدأ هذا الجزء بإطلاق نبضات كهربائية متزايدة.
الجانب الأكثر إثارة في هذا السياق, أن العلماء كانوا يظنون أن العقل ثابت ولكن مع الوقت اكتشفوا أن أجزاء الدماغ تنمو حسب الاستخدام فيزيد عدد الاتصالات العصبية والحجم الجزء المستخدم من الدماغ.
هذه القابلية في التغيير في الدماغ تسمى المرونة العصبية (neuroplasticity), السلبي في هذا الأمر إنه إن لم تكن تفكر في التقدم والإنجاز والتغيير, فأنت بشكل طبيعي تغذي اللوزة (amygdala), والجيد هو أنه بإمكانك أن تنمي الجزء الأخر (prefrontal cortex) عن طريق التفكير فقط بالتقدم والإنجاز, لذلك يعتبر من الجيد أن تفكر في كيف سيصبح شكل الإنجاز, وتفاصيل الهدف بعد تحقيقه.
والان بعد أصبح لديك دماغ ثبت علميا أنه قابل للتغيير أليس الوقت مناسب لأن تبدأ في التغيير وتطور من قدراتك وقدرات دماغك, والمفترض أنه إذا طورت دماغ لديه تقبل لأهداف يراها الأخرين مستحيلة, أن تكون بإذن الله شخص غاية في التأثير.
الخاتمة
يقول بنيامين فرانكلين: إذا اهتممنا بالدقائق, السنوات ستهتم بنفسها.
هنا كانت مجموعة من الأفكار والتجارب والأمور التي قد تعين الشخص على أن ينطلق في تخطيط هذه السنة لمزيد من الإنجاز, وسواء كنت تقرأ هذه المقالة في بداية أو وسط أو نهاية السنة, فتأكد أن الأهداف لا تعرف ماهو الوقت الآن, لذلك الوقت المناسب للبدء هو الآن.
خذ من هذه النقاط ما يناسبك ويعينك في مسيرتك, وجرب وغير وحسن, فكل تجربة هي خبرة ومن كل خبرة تصنع تجربة أخرى أكثر نضجا, وتدور حلقة التجارب وتنمو معها الخبرات.
أسأل أن يجعل حياتك مليئة بالإنجاز
المراجع
اترك تعليقاً